القرنية
![]()
هل تشعر بتدهور مستمر في رؤيتك، لا تُصلحه النظارات التقليدية بسهولة؟ هل تبدو لك الأشياء مشوهة أو مضاعفة؟ قد تكون هذه الأعراض إشارة إلى الإصابة بـ القرنية المخروطية (Keratoconus)، وهو اضطراب بصري متقدم يصيب القرنية. يُعد فهم هذه الحالة الحساسة أمرًا بالغ الأهمية للتشخيص المبكر والعلاج المناسب للحفاظ على جودة بصرك.
القرنية المخروطية هي اضطراب عيني متطور ومزمن يصيب قرنية العين. في الحالة الطبيعية، تكون القرنية ذات شكل كروي منتظم يسمح بتركيز الضوء بشكل دقيق على الشبكية. لكن في حالة القرنية المخروطية، تُصاب القرنية بضعف تدريجي في صلابتها ومرونتها.
نتيجة لهذا الضعف، تبدأ القرنية بأخذ شكل مخروطي متبارز بدلاً من شكلها الكروي الطبيعي. هذا التحدب غير المنتظم يؤدي إلى تغيرات جوهرية في:
• تحدب القرنية: يصبح غير متساوٍ، مما يشتت الضوء بدلاً من تركيزه.
• سماكة القرنية: تصبح أرق في الجزء المركزي أو السفلي، وهو الجزء الذي يتبرز.
• شكل القرنية بشكل غير متناظر: يؤثر التحدب بشكل غير متساوٍ على مناطق مختلفة من القرنية، مما يجعل تصحيح الرؤية أكثر تعقيدًا.
في معظم الحالات، تصاب كلتا العينين بالقرنية المخروطية. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنه غالبًا ما يكون هناك عدم تناظر في الإصابة بين العينين. قد تكون إحدى العينين أكثر تأثرًا من الأخرى، أو قد تظهر الأعراض وتتطور في عين قبل الأخرى بمدة. هذا التباين يجعل المتابعة الدقيقة لكلتا العينين أمرًا ضروريًا.
تُعد القرنية المخروطية غالبًا حالة تتطور تدريجيًا على مدى سنوات. تتظاهر الأعراض عادةً خلال فترة البلوغ (سن المراهقة وأوائل العشرينات)، وتستمر في التدهور حتى منتصف العمر (حوالي الأربعينات) ثم قد تستقر. من أبرز الأعراض التي تدل على تطور هذه الحالة:
• قصر نظر متزايد: يلاحظ المصاب الحاجة لتغيير قياسات النظارة بشكل متكرر، وتزداد درجة قصر النظر لديه بشكل مستمر.
• انحراف نظر غير منتظم (Astigmatism): يعتبر انحراف النظر غير المنتظم من السمات المميزة للقرنية المخروطية. لا يمكن تصحيح هذا الانحراف بشكل كامل بالنظارات التقليدية، مما يؤدي إلى تشوه في الرؤية، وظلال حول الصور، وصعوبة في رؤية التفاصيل الدقيقة.
• رؤية ضبابية أو مشوهة: تبدو الأشياء غير واضحة، وقد يرى المصاب هالات حول الأضواء، أو رؤية مضاعفة (Diplopia) في عين واحدة.
• حساسية للضوء (Photophobia): قد تصبح العينان أكثر حساسية للضوء الساطع.
• حكة في العين (خاصة في المراحل المبكرة): قد يشعر بعض المرضى بحكة متكررة، مما قد يؤدي إلى فرك العينين وتفاقم الحالة.
السبب الدقيق للقرنية المخروطية ليس مفهومًا تمامًا بعد، ولكن يُعتقد أنه مزيج من العوامل الوراثية والبيئية:
• العوامل الوراثية: حوالي 10-20% من الحالات لها تاريخ عائلي للمرض، مما يشير إلى دور الجينات.
• فرك العينين: يُعتقد أن فرك العينين بقوة وبشكل متكرر يمكن أن يساهم في إضعاف القرنية وتطور المرض.
• الحالات الطبية الأخرى: قد ترتبط القرنية المخروطية ببعض الحالات مثل متلازمة داون، متلازمة مارفان، والربو، والإكزيما، وغيرها.
• نقص مضادات الأكسدة: يُشير البعض إلى أن نقص مضادات الأكسدة في القرنية قد يجعلها أكثر عرضة للضرر.
التشخيص المبكر ضروري لإدارة القرنية المخروطية بفعالية. يتم التشخيص بواسطة طبيب العيون من خلال:
• فحص العين الشامل: يتضمن فحص حدة البصر، التاريخ المرضي، وقياس الانحراف.
• تصوير القرنية (Corneal Topography/Tomography): هذا الفحص هو الأهم، حيث يقدم خرائط تفصيلية لشكل القرنية الأمامي والخلفي وسماكتها، مما يكشف عن أي تحدب مخروطي أو ترقق غير منتظم.
• البصريات: قد يتمكن الطبيب من رؤية علامات مثل حلقة فلَيْشر (Fleischer ring) أو خطوط فوغت (Vogt''s striae) في المراحل المتقدمة.
يعتمد علاج القرنية المخروطية على مدى تقدم الحالة وسرعة تطورها، ويهدف إلى إبطاء تطور المرض وتحسين الرؤية:
• النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة اللينة: قد تكون كافية لتصحيح قصر النظر والانحراف البسيط.
• العدسات اللاصقة الصلبة النفاذة للغاز (RGP): توفر سطحًا أملسًا ومنتظمًا للقرنية غير المنتظمة، مما يحسن الرؤية بشكل كبير.
• العدسات الهجينة أو الصلبة الكبيرة (Scleral Lenses): خيارات متقدمة توفر راحة أكبر ورؤية أفضل للحالات الأكثر تطورًا.
• تثبيت القرنية بالكولاجين (Corneal Collagen Cross-linking - CXL): إجراء يهدف إلى تقوية نسيج القرنية ووقف أو إبطاء تطور التحدب المخروطي. يتم ذلك بتطبيق قطرات ريبوفلافين (فيتامين B2) على القرنية ثم تعريضها للأشعة فوق البنفسجية.
• زراعة الحلقات داخل القرنية (Intacs/Corneal Ring Segments): يمكن زرع حلقات بلاستيكية صغيرة داخل القرنية لتعديل شكلها وتقليل التحدب، مما يحسن الرؤية وقد يؤجل الحاجة لزراعة القرنية.
• زراعة القرنية (Corneal Transplant): إذا أصبح الماء الأبيض شديدًا جدًا وتسبب في ندبات عميقة أو ضعف كبير في الرؤية لا يمكن تصحيحه بالعدسات، فقد تكون زراعة القرنية هي الخيار الأخير لاستعادة البصر.
• تجنب فرك العينين: هذه النقطة حاسمة لإبطاء تطور المرض.
• المتابعة الدورية مع طبيب العيون: لمراقبة الحالة وتعديل العلاج عند الضرورة.
• الالتزام بنوع العدسات اللاصقة الموصوفة: وتتبع تعليمات العناية بها بدقة.
• حماية العين من الشمس: بارتداء النظارات الشمسية.
إن فهمك للقرنية المخروطية وخيارات علاجها يمنحك القوة لاتخاذ قرارات مستنيرة للحفاظ على رؤية صحية لأطول فترة ممكنة.