القرنية
![]()
هل تتساءل ما الذي يجعل القرنية تضعف وتتغير إلى شكل مخروطي؟ على الرغم من أن الأسباب الدقيقة لـ القرنية المخروطية (Keratoconus) لا تزال قيد البحث، إلا أن العلم الحديث يشير إلى مجموعة من العوامل المتضافرة التي تزيد من خطر الإصابة بهذا الاضطراب التدريجي للعين. فهم هذه العوامل يساعد في الوقاية، أو على الأقل، في فهم طبيعة المرض وكيفية إدارته بفعالية.
القرنية المخروطية هي حالة تتسم بضعف تدريجي في نسيج القرنية، مما يؤدي إلى ترققها وبروزها على شكل مخروط بدلاً من شكلها الكروي الطبيعي. هذا التحدب غير المنتظم يسبب تشوشًا وتدهورًا في الرؤية.
تعد أسباب القرنية المخروطية غير واضحة تمامًا في جميع الحالات، مما يجعلها تحديًا تشخيصيًا وبحثيًا. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن المرض ينجم عن تظافر مجموعة من العوامل المؤهبة، التي تتفاعل معًا لتؤدي إلى ضعف صلابة القرنية وتغير شكلها. يمكن تقسيم هذه العوامل إلى فئات رئيسية:
• الإصابات الرضية المتكررة للعين (حك العين):
يُعتقد أن فرك العينين المتكرر والقوي هو أحد أهم العوامل الميكانيكية التي تساهم في تطور القرنية المخروطية أو تفاقمها. الاحتكاك الميكانيكي المستمر يسبب صدمات دقيقة وتلفًا لألياف الكولاجين الدقيقة في سدى القرنية (الطبقة الوسطى السميكة)، مما يؤدي إلى إضعاف بنيتها تدريجيًا. هذا السلوك شائع لدى الأشخاص الذين يعانون من الحساسية الموسمية أو التهاب الملتحمة التحسسي.
• اعتلالات سدى القرنية (Corneal Stromal Disorders):
تشير هذه العوامل إلى وجود ضعف أو خلل كامن في بنية سدى القرنية نفسها، وهي الطبقة المسؤولة عن معظم صلابة وشفافية القرنية. قد يكون هذا الخلل ناتجًا عن نقص في الروابط الكيميائية بين ألياف الكولاجين أو عن جودة رديئة لهذه الألياف، مما يجعلها أقل مقاومة للضغوط الطبيعية داخل العين.
• للوراثة دور مهم في انتقال مرض القرنية المخروطية:
لطالما عُرف أن الجينات تلعب دورًا في قابلية الإصابة بالقرنية المخروطية. كان يقدر سابقًا بنسبة ظهور 10% لدى أفراد العائلة، مما يعني أن واحدًا من كل عشرة مصابين لديه فرد آخر في عائلته يعاني من نفس الحالة.
• الدراسات الحديثة وتأكيد الدور الأكبر للوراثة:
مع الدراسات الحديثة، تبين دور أكبر للعامل الوراثي ونسبة أعلى من الإصابات اللاعرضية. هذا يعني أن الكثير من الأشخاص قد يحملون الجينات المسببة للمرض دون أن تظهر عليهم أعراض واضحة (حالات لا عرضية أو شبه سريرية). تُظهر الأبحاث الآن أن انتقال المرض غالبًا ما يكون انتقالًا وراثيًا سائدًا مع تعبير متفاوت. هذا يعني أن وجود جين واحد من أحد الوالدين قد يكون كافيًا للإصابة، لكن شدة المرض (التعبير) قد تختلف بشكل كبير بين أفراد الأسرة، حيث قد يصاب البعض بحالة خفيفة جدًا بينما يعاني البعض الآخر من شكل متقدم.
• الحساسية والربو والإكزيما:
هذه الحالات التحسسية تزيد من احتمالية حك العينين بشكل متكرر، وهو ما يُعد عامل خطر ميكانيكيًا هامًا.
• التعرض للأشعة فوق البنفسجية (UV):
تشير بعض الأبحاث إلى أن التعرض المفرط لأشعة الشمس قد يساهم في الإجهاد التأكسدي للقرنية ويزيد من خطر الإصابة بالمرض.
• بعض الأمراض الجهازية:
ترتبط القرنية المخروطية أحيانًا ببعض المتلازمات الجهازية مثل متلازمة داون، متلازمة مارفان، ومتلازمة إهلرز-دانلوس، والتي تؤثر على الأنسجة الضامة في الجسم.
من المهم الإدراك أن القرنية المخروطية غالبًا ما تكون نتيجة تفاعل معقد بين الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية/السلوكية. قد يكون شخص ما لديه استعداد وراثي، ولكن لا تظهر عليه الأعراض إلا إذا كان يفرك عينيه بشدة أو يتعرض لعوامل بيئية أخرى تزيد من إجهاد القرنية.
على الرغم من عدم إمكانية تغيير العوامل الوراثية، إلا أنه يمكن التحكم في بعض العوامل لتقليل خطر تفاقم المرض:
• تجنب فرك العينين تمامًا: هذه هي النصيحة الأكثر أهمية. إذا كنت تعاني من حكة في العين، استشر طبيب العيون لوصف علاجات مناسبة للحساسية.
• حماية العين من أشعة الشمس: بارتداء النظارات الشمسية التي تحجب الأشعة فوق البنفسجية.
• المتابعة الدورية مع طبيب العيون: خاصة إذا كان لديك تاريخ عائلي للمرض، أو لاحظت أي تغير في رؤيتك.
فهمك لهذه العوامل يُمكّنك من اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على صحة عينيك وإدارة القرنية المخروطية بفعالية.