الماء الأزرق
![]()
الماء الأزرق، أو الجلوكوما، هو ليس مجرد مرض بسيط، بل هو حالة معقدة يكون فيها العصب البصري تحت التهديد. لفهم أسبابه، يجب أولاً فهم النظام الداخلي الدقيق الذي يحافظ على صحة عينيك.
لفهم سبب الماء الأزرق، يمكن تشبيه العين بـ حوض مغسلة:
• الصنبور (الجسم الهدبي - Ciliary Body): هو الجزء المسؤول عن إفراز السائل المائي (Aqueous Humour) باستمرار. هذا السائل هو سائل صافٍ يغذي العدسة والقرنية ويعطي العين شكلها الكروي.
• فتحة التصريف (زاوية التصريف - Drainage Angle): هي شبكة معقدة من القنوات الدقيقة تقع عند زاوية العين بين القزحية والقرنية. وظيفتها هي تصريف السائل المائي بنفس معدل إنتاجه.
• مستوى الضغط: يُعرف ضغط السائل داخل العين بضغط العين (Intraocular Pressure - IOP).
في الحالة الطبيعية، يوجد توازن تام بين كمية السائل المنتَجة وكمية السائل المُصرَّفة، مما يحافظ على ضغط العين ضمن المعدل الطبيعي (عادة بين 10-21 ملم زئبقي).
يبدأ مرض الجلوكوما عندما يزيد إنتاج السائل عن قدرة قنوات التصريف على استيعابه أو عندما تضيق هذه القنوات وتسد. يؤدي هذا الخلل إلى:
1. تجمُّع السائل المائي داخل الحجرة الأمامية للعين.
2. ارتفاع ضغط العين بشكل غير طبيعي.
3. الضغط الميكانيكي المستمر على رأس العصب البصري الحساس، وهو نقطة اتصال العين بالدماغ.
4. منع تدفق الدم إلى العصب البصري، مما يحرمه من الأكسجين والغذاء.
5. تلف الألياف العصبية تدريجيًا وموتها، مما يؤدي إلى ظهور بقع عمياء (Blind Spots) في مجال الرؤية.
هذا التلف دائم وغير قابل للاستعادة، وإذا لم يتم السيطرة على الضغط، يمكن أن يؤدي إلى العمى.
ليس هناك سبب واحد، بل مجموعة من العوامل التي تزيد من خطر انسداد قنوات التصريف أو ضعفها:
• الوراثة: التاريخ العائلي هو أحد أكبر عوامل الخطر. يمكن وراثة شكل ضيق أو غير كفء لزاوية التصريف.
• قصر النظر الشديد: يرتبط قصر النظر بتشريح مختلف للعين قد يجعل العصب البصري أكثر عرضة للضرر حتى تحت ضغط طبيعي.
• داء السكري: يزيد من خطر الإصابة بالجلوكوما بشكل كبير.
• ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب: يمكن أن تؤثر على الدورة الدموية المغذية للعصب البصري.
• إصابات العين السابقة: يمكن أن تؤذي نظام التصريف وتؤدي إلى جلوكوما ثانوية لاحقًا.
• الاستخدام طويل الأمد للكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids)، خاصة قطرات العين، يمكن أن يرفع ضغط العين لدى بعض الأفراد.
• التقدم في العمر (فوق 60 عامًا): يزيد خطر ضيق زاوية التصريف.
• الانتماء العرقي: الأشخاص من أصل أفريقي هم أكثر عرضة للإصابة بالجلوكوما في سن مبكرة وبشكل أكثر حدة.
من المثير للاهتمام أن ليس كل المصابين بالجلوكوما يعانون من ارتفاع في ضغط العين. في حالات تسمى "الجلوكوما ذات الضغط الطبيعي"، يحدث تلف في العصب البصري على الرغم من أن قياس الضغط يبدو ضمن المعدلات الطبيعية. يشير هذا إلى أن أسباب المرض قد تشمل أيضًا ضعف تدفق الدم إلى العصب أو حساسية شديدة للعصب البصري للضغط الطبيعي.
في النهاية، السبب الحقيقي لفقدان البصر في الجلوكوما هو تلف العصب البصري. قد يكون ارتفاع ضغط العين هو العامل الرئيسي المساهم في هذا التلف في معظم الحالات، لكنه ليس العامل الوحيد. لذلك، يركز التشخيص الحديث على فحص صحة العصب البصري نفسه وليس الاعتماد فقط على قراءة الضغط.
الفحص الدوري لدى طبيب العيون هو الطريقة الوحيدة للكشف المبكر عن أي خلل في نظام تصريف العين أو علامات تلف على العصب البصري، قبل أن يسرقك "اللص الصامت" بصرك تدريجيًا.