الجلوكوما
![]()
الماء الأزرق، أو ما يُعرف طبيًا الجلوكوما (Glaucoma)، هو ليس مجرد مرض واحد، بل مجموعة من أمراض العيون التي تُلحق ضررًا تدريجيًا بـ العصب البصري. هذا العصب هو الحزمة الحيوية من الألياف العصبية التي تنقل الإشارات البصرية من العين إلى الدماغ.
السبب الأكثر شيوعًا لهذا التلف هو ارتفاع الضغط داخل العين (IOP - Intraocular Pressure) بشكل غير طبيعي، بسبب خلل في نظام تصريف السائل المائي (Aqueous Humour) داخل العين. مع استمرار ارتفاع الضغط، يتعرض العصب البصري للضغط والضمور، مما يؤدي إلى فقدان دائم في الرؤية يبدأ عادة بالرؤية المحيطية ويتقدم نحو العمى إذا لم يُعالج.
أما عن التسمية الشعبية "الماء الأزرق"، فمصدرها أن المريض قد يرى في بعض الأحيان هالات زرقاء حول مصادر الضوء، خاصة خلال نوبات الارتفاع الحادّ في الضغط.
بينما يرتبط المرض بارتفاع ضغط العين، فإن السبب الدقيق يكمن في اختلال التوازن بين إنتاج السائل داخل العين وتصريفه. تشمل عوامل الخطر الرئيسية ما يلي:
• التقدم في العمر: خاصةً الأفراد فوق سن 60 عامًا.
• التاريخ العائلي: وجود قريب من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت) مصاب بالجلوكوما يزيد بشكل كبير من احتمالية الإصابة.
• الأمراض المزمنة: مثل مرض السكري، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب.
• قصر النظر الشديد (Myopia).
• استخدام الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids) لفترات طويلة (خاصة قطرات العين).
• الإصابات السابقة في العين: التي يمكن أن تغير من تشريح العين وتؤثر على نظام التصريف.
• الانتماء العرقي: تزيد معدلات الإصابة بين الأشخاص من أصل أفريقي أو إسباني.
أخطر ما في الجلوكوما هو أنها غالبًا لا تظهر أي أعراض مبكرة على الإطلاق. يفقد المريض الرؤية المحيطية (الجانبية) بشكل تدريجي جدًا بحيث لا يلاحظه حتى يصبح التلف كبيرًا. وهذا سبب تسميته "باللص الصامت".
لكن هناك نوعًا رئيسيًا تظهر فيه أعراض حادة ومفاجئة وتعتبر طارئًا طبيًا يتطلب تدخل فوري:
• الجلوكوما مفتوحة الزاوية (Open-Angle Glaucoma): النوع الأكثر شيوعًا (حوالي 90% من الحالات)، يتقدم ببطء وبصمت دون ألم.
• الجلوكوما مغلقة الزاوية (Angle-Closure Glaucoma): نادرة ولكنها خطيرة، وتظهر أعراضها فجأة وتشمل:
- ألم شديد في العين والرأس.
- رؤية هالات ملونة (قوس قزح) حول الأضواء.
- احمرار العين.
- الغثيان والقيء (بسبب شدة الألم).
- تشويش مفاجئ في الرؤية أو فقدانها.
لا يمكن الاعتماد على فحص قوة النظر العادي (فحص النظارات) لاكتشاف الجلوكوما. التشخيص الدقيق يتطّلب فحصًا شاملاً للعين لدى طبيب عيون يشمل:
• قياس ضغط العين (Tonometry): لقياس مستوى الضغط داخل العين.
• فحص العصب البصري (Ophthalmoscopy): لفحص شكل ولون العصب البصري والكشف عن أي علامات للتلف.
• اختبار مجال البصر (Perimetry): لرسم خريطة كاملة لمجال رؤية المريض والكشف عن أي بقع عمياء، خاصة في المحيط.
• فحص زاوية التصريف (Gonioscopy): لفحص زاوية التصريف في العين وتحديد نوع الجلوكوما (مفتوحة أو مغلقة الزاوية).
الضرر الناتج عن الجلوكوما دائم ولا يمكن عكسه. لذلك، يهدف كل العلاج إلى:
• خفض ضغط العين إلى المستوى المستهدف.
• إبطاء أو إيقاف تقدم المرض ومنع المزيد من فقدان البصر.
• الحفاظ على الرؤية المتبقية وجودة حياة المريض.
خيارات العلاج المتاحة:
1. العلاج الدوائي (القطرات): الخط العلاجي الأول. تعمل هذه القطرات إما على تقليل إنتاج السائل في العين أو على زيادة تصريفه.
2. العلاج بالليزر:
• trabeculoplasty لعلاج الجلوكوما مفتوحة الزاوية، حيث يستخدم الليزر لتحسين وظيفة التصريف.
• iridotomy لعلاج الجلوكوما مغلقة الزاوية، حيث يصنع الليزر فتحة صغيرة في القزحية لتحسين تدفق السائل.
3. الجراحة (Glaucoma Surgery): يتم اللجوء إليها إذا فشلت القطرات والليزر. الهدف هو إنشاء قناة تصريف جديدة للسائل.
نظرًا لأن الجلوكوما مرض صامت، فإن الفحص الدوري للعين هو السلاح الوحيد والفعال للكشف المبكر عنه. يُنصح بإجراء فحص شامل للعين يشمل قياس ضغطها:
• كل 2-4 سنوات لمن هم فوق سن 40 عامًا.
• كل 1-2 سنوات إذا كان لديك أي من عوامل الخطر المذكورة أعلاه، أو إذا كنت فوق سن 60.
الاكتشاف المبكر والالتزام بالعلاج هما مفتاح الحفاظ على نعمة البصر مدى الحياة.