انسداد القنوات الدمعية هو حالة مزعجة تؤثر على نظام تصريف الدموع في العين، مما يؤدي إلى أعراض مثل الدمع المستمر والالتهابات المتكررة. لكن ما الذي يسبب هذا الانسداد في الأساس؟ تتنوع الأسباب بشكل كبير، من مشاكل خلقية عند الولادة إلى تغيرات طبيعية مع التقدم في العمر أو حتى مضاعفات لعلاجات أخرى. فهم السبب هو الخطوة الأولى تجاه التشخيص الدقيق ووضع خطة العلاج الفعالة. في هذه المقالة، سنغوص بعمق في أسباب انسداد القنوات الدمعية الرئيسية والثانوية، مصنفة حسب الفئة العمرية والعامل المسبب.

التصنيف الأساسي: أسباب خلقية مقابل أسباب مكتسبة

يمكن تقسيم أسباب الانسداد إلى فئتين رئيسيتين:

1. انسداد خلقي (موجود منذ الولادة): وهو شائع جدًا لدى الرضع.
2. انسداد مكتسب (يحدث لاحقًا في الحياة): وهو الأكثر شيوعًا بين البالغين وكبار السن.

أولاً: الأسباب الخلقية لانسداد القنوات الدمعية عند الرضع

هي الأكثر انتشارًا، حيث يُقدر أن ما يصل إلى 20% من الأطفال حديثي الولادة يعانون من درجة ما من الانسداد، وغالبًا ما تكون في إحدى العينين.

• سبب رئيسي: عدم اكتمال التطور

- الغشاء الرقيق (انسداد الصمام الموجود في نهاية القناة - Valve of Hasner): في معظم الحالات، يكون السبب هو بقاء غشاء رقيق يغلق النهاية السفلية للقناة الدمعية الأنفية (Nasolacrimal Duct) التي تفتح في الأنف. في الوضع الطبيعي، ينفتح هذا الغشاء تلقائيًا قبل الولادة أو بعد فترة وجيزة منها.
- تطور غير كامل أو شذوذ في تشريح القناة: في حالات أقل، قد تكون القناة نفسها ضيقة جدًا أو مشوهة خلقياً منذ البداية.

• الخبر المطمئن: حوالي 90% من هذه الحالات تتحسن من تلقاء نفسها خلال الأشهر الـ12 الأولى من حياة الطفل مع نضوج نظام التصريف، وغالبًا ما يكون العلاج محافظًا (مثل التدليك).

ثانيًا: الأسباب المكتسبة لانسداد القنوات الدمعية عند البالغين

هنا تتسع القائمة بشكل كبير، وتشمل:

1. التغيرات المرتبطة بالعمر (التضييق الطبيعي)

مع التقدم في السن، تصبح الفتحات الدقيقة التي تصرف الدموع (النقاط الدمعية - Puncta) أضيق وأكثر ضيقًا (Stenosis). هذا التضييق التدريجي هو أحد الأسباب الأكثر شيوعًا لانسداد القنوات الدمعية البسيط لدى كبار السن.

2. الالتهابات والالتهابات المزمنة

أي التهاب مستمر يمكن أن يؤدي إلى التندب والانسداد.

• التهاب الملتحمة (العين الوردية) المتكرر.
• التهاب الكيس الدمعي (Dacryocystitis) نفسه، سواء كان حادًا أو مزمنًا.
• التهابات الجيوب الأنفية المزمنة، نظرًا للقرب التشريحي الوثيق بين الجيوب الأنفية والقناة الدمعية الأنفية.

3. الإصابات والصدمات الوجهية

أي صدمة للوجه يمكن أن تلحق الضرر بالمنطقة الدقيقة حول نظام التصريف.

• كسور عظام الأنف أو عظام الوجنة (خاصة الكسور التي تؤثر على عظام الفك العلوي).
• الجروح العميقة قُرب الزاوية الداخلية للعين.
• حروق الوجه التي تؤدي إلى تكون ندوب تسد الفتحات.

4. الأورام (الأسباب الانضغاطية)

إن وجود ورم في أي مكان على طول مسار القناة الدمعية يمكن أن يضغط عليها من الخارج ويسبب انسدادًا ميكانيكيًا.

• أورام الأنف أو الجيوب الأنفية.
• أورام العظام المحيطة.
• أكياس أو أورام في الكيس الدمعي نفسه.

5. أمراض والتهابات جهازية

بعض الأمراض الجهازية التي تسبب التهابًا أو تكوين أورام حبيبية يمكن أن تؤثر على القنوات الدمعية:

• الساركويد (Sarcoidosis).
• مرض وغنر (Granulomatosis with Polyangiitis).
• الذئبة الحمامية الجهازية (SLE).
• مرض كثرة المنسجات (Histiocytosis).

6. الآثار الجانبية للأدوية والعلاجات

• قطرات العين: الاستخدام طويل الأمد لبعض أنواع قطرات العين، وخاصة تلك المحتوية على مادة البيلوكاربين (Pilocarpine) المستخدمة سابقًا في علاج الجلوكوما (الماء الأزرق)، يمكن أن يسبب تضيقًا التهابيًا في القنوات.
• العلاج الكيميائي والإشعاعي: يمكن أن يكون الانسداد أحد الآثار الجانبية لعلاجات السرطان، خاصة الإشعاع الموجه إلى منطقة الوجه والأنف، حيث يسبب التهابات وتندبات.

7. أسباب ميكانيكية ثانوية

• دخول أجسام غريبة دقيقة (مثل غبار أو خلايا جلد ميتة) إلى داخل القناة.
• حصوات دمعية يمكن أن تتكون أحيانًا وتسد المسار.

السبب يحدد العلاج

كما يتضح، فإن أسباب انسداد القنوات الدمعية متنوعة بشكل كبير. هذا التنوع هو بالضبط ما يجعل استشارة طبيب عيون متخصص أمرًا ضروريًا. لن يقوم الطبيب فقط بتشخيص الانسداد، ولكن سيبحث عن سببه الجذري، لأن خطة العلاج تعتمد على هذا السبب بشكل كلي. قد يتراوح العلاج من الانتظار المراقب للرضع، إلى استخدام المضادات الحيوية للعدوى، وصولاً إلى الإجراءات الجراحية الدقيقة مثل جراحة DCR لعلاج الانسدادات المستعصية أو التالية للصدمات.